غرباء حميمون
وها هي إلى جانبي: هادئة، لكن ليس مثلي. لها هدوء من يبطنون سلامًا داخليًا، فتغدو كل حركاتهم مغمورة في السكينة. وبرغم كثرة صمتي، لم أحسب نفسي واحدًا منهم. لطالما انبجستْ منّي فوضاي الداخلية: من أطرافي التي ترتطم عادةً بالأشياء، ونظراتي التي تمنح انطباعًا بالتوجّس، وإجفالي كلما تحرك شيء في الجوار.
أتابعها تتأمل خطًا متحركًا في الأفق من دون أن ترمش. أخمّن أنها تتابع مسيرة موجة بعينها، منذ بروز حدبتها وحتى تلاشي زبدها على صفحة الطمي. وتظلّ تمسح الأمواج واحدة تلو الأخرى باستغراق عميق. ثم في نقطة، يسكن عينيها نوع من التحجّر، فتنطفئ أحداقها، ويتشح سيماؤها بقناع من جليد، سرعان ما يغشى جسدها كاملاً فتتوارى في أكثر المناظر جوّانية. أسألها: "فيمَ تفكرين؟"، فيتلاشى المنظر حالما أخطفها منه. لم يكن ممكنًا أن تحضر في اللحظتين؛ كانت إما معي أو هناك.
تأخذ وقتها قبل أن تجيب، فيخطر لي أنها لا تعرف بدورها ما كانت تفكر به. ثم تقول إن البحر يبدو ظمِئًا ساعة الجزر، تقول حين يحدث هذا يراودها نداء غامض، كأنها تحتاج إلى أن تسقيه."
الرواية ضمن المشاريع الفائزة في مسار الأدب والكتابة الإبداعية في مبادرة إثراء المحتوى العربي، بدعم من مركز إثراء والصندوق الثقافي.

















الرئيسية
فلتر
لا يوجد مراجعات